• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

الصنعة اللغوية في المقال العلمي الدكتور: "أحمد زكي نموذجا"

الصنعة اللغوية في المقال العلمي الدكتور: أحمد زكي نموذجًا
جواد عامر


تاريخ الإضافة: 17/7/2021 ميلادي - 7/12/1442 هجري

الزيارات: 5563

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصنعة اللغوية في المقال العلمي: الدكتور: "أحمد زكي نموذجًا"


جميل أن يجمع الإنسان بين مشربين يبدوان في تصور الكثيرين غير قابلين للجمع والائتلاف في بوتقة الفكر الواحدة، لذلك تظل الرؤية المنكرة للجمع بين الإبداع الأدبي والتخصص العلمي الدقيق أمرًا لا مراء فيه لدى غالبية الناس، وكأن الذائقة المعرفية عندهم لا تتقبل أن ضلاعة المرء في الأدب وتمكنه الحقيقي من الحقل العلمي أمران لا يمكن التسليم بهما، وكأن التمكن من الفيزياء والكيمياء والهندسة وغيرها من العلوم لا يسمح لأصحابها بإجادة الإبداع ومضاهاة فطاحلة الأدب وصناعه الحاذقين، في حين أن قراءة واعية للتاريخ الإسلامي في شقه العلمي ستؤكد حتمًا أن الكثير من علمائنا الأفذاذ ممن كان لهم باع طويل في وضع النظريات العلمية وتأسيس المنهج العلمي، كانوا على دراية كبيرة ودقيقة باللغة والأدب والشعر والتاريخ، وها هو التاريخ يعيد نفسه ليثبت من جديد أن ضلاعة المرء في المجال العلمي لا تحجب عنه شمس الأدب منثوره ومنظومه، وإن تراكمت غيوم المعرفة العلمية في سماواته، إلا أن الدرجات تتفاوت بشكل كبير بين هؤلاء على مستوى الصنعة اللغوية التي نقصد بها الحرفية التي يمتلكها الأديب الضليع المُفلِقِ، لذلك فإن نظرتنا للمقال العلمي الذي حفلت به الكثير من المجلات العربية والكتب التي أصدرها أصحابها، اتسمت أغلبها ببساطة التعبير اللغوي البعيد عن التكلف والتصنع المتقن الذي ينم عن تمكن صاحبه من اللغة؛ حيث انتقاء اللفظ والتصوير والتمثيل البديع الماتِحِ من ضُروبِ البيانِ العربيِّ وغيرِ ذلكَ من أدواتِ اشتغالِ اللغَة المُتعاليَةِ البعيدة عن السَّذاجة اللغوية، فالطبيبُ ومهندس الطيران ومهندس العمران، والعالم عمومًا، حينما يكتب مقالته يرمي فيها دومًا إلى الإبلاغ وتحقيق غاية الإقناع والإفهام، فتنحو لغته نحو التقريرية المباشرة التي تنقل الواقع العلمي ببساطة تتوجه إلى عموم القراء على اختلاف مستوياتهم الثقافية، لذلك تعمد المقالات العلمية توخيًا لهذا الهدف إلى إيصال الأفكار عن طريق التمثيلات البسيطة التي يحضر فيها الجهاز المفاهيمي العلمي السطحي؛ إذ لا مجال لسبر الأغوار، وحمل القارئ على قراءة التفصيلات والأجزاء التي لن يفقه منها شيئًا، وإن ظل يقرأ النص ويعيده مرات بحكم طبيعة المعرفة العلمية المتسمة بالدقة التي تحتاج إلى دراية وفهم لن يتأتى إلا بالدراسة المعمَّقة للحقل العلمي، لكن كل هذا الأمر لا يشفع لكُتاب المقالات العلمية أن ينحدروا باللغة العلمية إلى منحدرات تجعلها غاية في السذاجة المعرفية؛ لأن القارئ العربي يمتلك ما يكفي من العدة المعرفية العلمية التي نهلها عبر التعلمات المدرسية في حقل البيولوجيا والهندسة والجيولوجيا، والفلك الكيمياء والفيزياء، مما أتاح له امتلاك رصيد وجهاز مفاهيمي لا يستهان به لتقبُّل المعرفة العلمية في بعض الجوانب الدقيقة القابلة للاستيعاب، وللتدليل على صحة مزعمنا نسوق بعض الأمثلة المستقاة من مقالات علمية نشرت في مجلات عربية كبرى، فهذا الدكتور فيليب عطية يقول في معرض حديثه عن الإيدز: "يعتبر الإيدز واحدًا من أخطر الأمراض وأشدها فتكًا بحياة الإنسان، وتتمثل خطورته في كونه يوجه ضرباته لجهاز المناعة، والحقيقة أنه ليس مرضًا واحدًا، وإنما هو مجموعة من الأمراض المتلازمة التي يكون من أعراضها الأساسية الإصابة بعدد من الميكروبات..."[1]، ويقول الدكتور أحمد عبدالدايم في حديثه عن الاستنساخ: "استطاع العالم الأسكتلندي "أيان ويلموت" أن يولد للعالم نعجة أعطاها اسمًا يعني الدمية: "دوللي"، ليس عن طريق التكاثر الطبيعي الذي يتم بين الكائنات جنسيًّا، بل عن طريق التكاثر اللاتزاوجي، وبذلك استطاع الذكاء الإنساني أن يفصل بين الجنس والإنجاب في مستوى الحيوانات الثديية التي ننتسب إليها، وهذا يعني أن الطريق إلى استنساخ الإنسان بهذه الطريقة أصبح مفتوحًا، ولا يحتاج إلا إلى الوقت، وربما بفضل التسارع العلمي نفاجأ بهذه النسخ الإنسانية تدب على الأرض..."[2]، لذلك فالملاحِظ لمثل هذا المعمار اللغوي القائم على الجهاز المفاهيمي العلمي، يجد أنه يتوقف عند حدود البساطة دون توغل إلى الدقائق التي يمكن للقارئ العربي أن يتعامل معها، خاصة أننا اليوم في زمن التكنولوجيا الرقمية التي أتاحت المعرفة الدقيقة للقارئ عبر النوافذ المعروفة، كما أنه يمتلك عدة أدبية عبر القراءات الأعمال الإبداعية، مما جعله يمتلك في حدود معينة ملكةَ لتقبُّل اللغة الطافحة بالأدبية؛ إذ لا يوجد قارئ عربي لم يتلق درسًا في الرواية والقصة والمسرح والشعر، وغير ذلك من أصناف الأدب، فلا بد أن استضمار الأساليب والبنيات التركيبية الجميلة البعيدة عن اللغة المتسمة بالجفاف، كائن في ملكته حتى صار جزءًا من فكرة التلقي عنده.

 

لذلك فإن قراءاتي لعدد من المقالات العلمية، جعلتني أكاد أجزم باشتراك غالبها في هاته الخصائص، غير أن مقالات الدكتور المصري أحمد زكي (1894 - 1975) عالم الكيمياء أثارتني حقيقة من الناحية الأسلوبية واللغوية، فألفيت فيها مذاقة لم أعهدها في غيرها من المقالات، فاستوقفتني جماليات التعبير وأناقة الأسلوب عند هذا العالم الذي لا تحس حقيقة أنك حين تقرأ له تحاور هرمًا من أهرامات الكيمياء في العالم العربي فحسب، لكنك تستشعر رهبة الأديب الجميل في ثنايا الأسلوب الأنيق الذي دل على براعة الرجل في العربية، وتمكُّنه الباهر من بلاغتها ونحوها وصرفها، وكأنك تقرأ لكبير من كبار أدباء المشرق، ولكنك في حقيقة الأمر بين أنامل الدكتور أحمد زكي الساحرة، فعلى الرغم من البساطة في الطرح العلمي فقد تميز المقال عنده بالذكاء في التناول والمقدرة الهائلة على التصوير والتمثيل بواسطة عبارات ملأى بالصفاء التعبيري والتأنق الأسلوبي المثير للقارئ المتذوق الذي ينجذب إليها انجذابًا، وحتى يكون كلامنا قائمًا على التدليل نسوق بعضًا من العبارات التي استقيتها من بعض مقالات العالم المصري المجموعة في كتابه: "في سبيل موسوعة علمية"، يقول د. أحمد زكي وهو يشرح مبدأ الاحتكاك: "أنا أكتُب ما أكتب الآن بالقلم الرصاص ومحوت بالمحاية البلاستيكية، ورميت بها على المكتب، كانت تجري عليه فتوقفت، ما الذي أوقفها؟ إنه الاحتكاك بينها وهي مطاط وبين سطح المكتب، وهو من زجاج، وهذه المحاية سوف تستقر في موضعها هذا أبد الدهر، وما لم يعتر المنزل زلزلة تهده سوف تبقى المحاية حيث هي..."[3].

 

إنه تمثيل رائع ينطلق من الإحساس بالشيء في ذاته، وكأن الدكتور أحمد زكي يدخلنا معه للمختبر العلمي؛ ليقدم لنا التجربة العلمية عن كثب، تمثيل من هذا النوع وبهذا المنطلق المفعم بروح التجربة، لا بد أنه وسيلة رائعة لجذب القارئ الذي لن يغفل لحظة واحدة عن تقفي آثار المعرفة العلمية.

 

وعن الأسلوبية الأنيقة التي تطفح بالوصف الجميل نستدل بقول د. أحمد زكي: "وأنظر في الثعبان مخلوقًا، فأجده قد خُلق على أسلوب غريب بديع، لا يدين ولا رجلين، وجسم طال، وانبرم، ودق، وينساب في الأرض كما ينساب الماء خفةً، وتسمع على الأرض صوت النعال من رجال، ولا تسمع لخطر الثعبان صوتًا، والحق أنه في حركته أشد الخلائق صمتًا..."[4].

 

ويقول متحدثًا عن العناكب في: "إن العنكبوت في صنع نسيجه، وفي غزله من قبل نسج، وفي إدراره مادة الغزل من قبل غزل كما تدر الأم لبنها، وفي الثدي أو الأثداء التي منها استدر ما استدر، هذا العنكبوت قدم للإنسان ذي الرأس الأكبر والعقل الأتم، والفكر الأوسع والأقدر، وهو المخلوق على فهم، كيف خُلق وخُلقت الخلائق من حوله، قدم له أنموذجًا صغيرًا قدر عقلة الأصبع الصغير، بل أصغر، تمثل فيه الصنع كيف يكون، والإبداع إلى أي حد يصل، وهندسة البناء إلى أي درجة تبلغ، إنها تبلغ مبلغًا يعجِز عنه الإنسان سيد الخلائق بالذي وهبه من عقل، ودقة فكر وبراعة يد وكف، ويعجِز عجزًا بالغًا كبيرًا..."[5].

 

أسلوبية من هذا النوع قوامها الوصف البديع والتفصيل الدقيق والتشبيهات المحكمة، والمقارنات المتقنة، لا شك أنها تمنح الموسوعة كاملة روحًا نابضة بدفقة أديب قبل أن تَمنحها روحها العلمية المؤتلقة، هذه الروح التي افتقدها الكثير الكثير من المقالات العلمية التي لا نبخس حق أصحابها في تقديم المعرفة للقارئ العربي في كل مكان، وإنما كنا نُمَنِّي النفس بأن يجتمع حسن التعبير وأنيق التصوير في صنعة محكمة تقارب على نحوٍ ما تلك التي يكتب بها الأدباء على اختلاف مستوياتهم الإبداعية، حتى لا تُسِفَّ المقالة إسْفافًا، فيَنفُر منها القارئ العربي المائل بجِبلَّتِه وذوْقه إلى الماتِع من الأساليب المُشَوِّقَة.



[1] أمراض الفقر (المشكلات الصحية في العالم الثالث) عالم المعرفة عدد 161ـ 1992م ص: 109 إلى 113.

[2] العلم والتكنولوجيا والتنمية، مؤسسة الكويت للنشر ط1 1988 صمن 88 إلى92.

[3] في سبيل موسوعة علمية د. أحمد زكي دار الشروق طبعة 1971 ص 16.

[4] المرجع السابق ص112.

[5] المرجع السابق ص 125.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة